كاثرين فرانك

واحدة من نقاط القوّة التي تُميّز حركة “Black Lives Matter” هي اهتمام الحركة بالتضامن مع نضالات حركات اجتماعيّة تتقاطع مع نضالها. نهاية أيلول 2016، مثلًا، عرّض نشطاء الحركة أنفسهم للاعتقال خلال مظاهرة سلميّة في ولاية شمال داكوتا، وذلك تضامنًا مع السايوكسيين وغيرهم من المجموعات الأصلانيّة في Standing Rock، ممّن يناهضون اعتداء مشروع أنابيب النفط “Dakota Access Pipeline” على أراضيهم. في العام 2015، وفي نشاطٍ تضامنيّ آخر للحركات النضاليّة، وقّعت 50 منظّمة يقودها أمريكيّون سود على وثيقة تضامن مع الشعب الفلسطينيّ، تُعلن فيها المنظّمات أنها “ورغم فهم خصوصيّة شكل الأبارتهايد في إسرائيل\فلسطين، والتي تختلف عمّا هي عليه في الولايات المتّحدة (وجنوب أفريقيا)، إلا أننا لا زلنا نرى الروابط بين أوضاع الفلسطينيين وأوضاع السود”.  في الصيف الأخير، سافر نشطاء من الحركة إلى فلسطين من أجل التعمّق في فهم أساليب نضال الفلسطينيين في ميادين مشابهة لنضالات السود في الولايات المتّحدة، مثل مواجهة اعتداءات الشرطة، نظم المراقبة التي تفرضها الدولة، شحّ الاستثمار بالمجتمعات المستضعفة، الإمكانات التربويّة المتدنّية، التقييدات على وصول المياه النظيفة، والرعاية الطبيّة المتردّية – والقائمة تطول. “إن المرور عبر الحواجز ومشاهدة الرصاص المطّاطي، يذكّرنا بما يعانيه بعضنا ويعاني منه رفاقنا في فرغيسون، تمامًا كما يذكّرني جنود الجيش الإسرائيليّ برجال الشرطة الذين اعتدوا عليّ بوحشيّة”، قالت المنسّقة المحليّة لـ”Project South”، آشلي هندرسون، لصحيفة جيروزاليم بوست خلال مشاركتها في زيارة الوفد للضفّة الغربيّة.

في شهر آب، أصدرت “الحركة من أجل حياة السود” (“M4BL” وهي تجمّع لأكثر من 50 منظّمة) برنامجًا سياسيًا واسعًا تحت عنوان “رؤية لحياة السود” (“A Vision for Black Lives”)، تربط فيه بوضوح النضال من أجل العدالة العرقيّة في الولايات المتّحدة بالنضال الذي يخوضه الفلسطينيون.  في فصل “الاستثمار وسحب الاستثمار” من هذا المستند، تنتقد الحركة الدعم العسكريّ الذي توفّره الحكومة الأمريكيّة لإسرائيل: “تزكّي الولايات المتّحدة حربها الكونيّة على الإرهاب وتبرّرها من خلال تحالفها مع إسرائيل، إذ تتواطأ بهذا مع الإبادة العرقيّة (“Genocide”) الجارية بحقّ الشعب الفلسطينيّ”، كذلك جاء في البرنامج السياسيّ أن “إسرائيل هي دولة أبارتهايد، وفيها أكثر من 50 قانونًا يميّز ضدّ الشعب الفلسطينيّ ويقمعه.”

جاءت ردّة الفعل الساخطة للمنظّمات الصهيونيّة، ليبراليّة ومحافظة على حدٍ سواء، سريعةً ولاذعة. وركّز النقد على استخدام مصطلح “الإبادة العرقيّة” في معرض تطرق البرنامج السياسيّ لإسرائيل، ذلك حتّى ظلّ تعريفها كدولة “أبارتهايد” دون أي اعتراض [i]، (هل نعتبر ذلك تسليمًا بأنها دولة أبارتهايد فعلًا؟). منظمة المناصرة الليبراليّة المؤيدة لإسرائيل، J Street، ومقرّها العاصمة الأمريكيّة واشنطن، استنكرت استخدام مصطلح “الإبادة العرقيّة”، واعتبرته خطأً شنيعًا شديد الإهانة. وقد وُجهت ضغوطات هائلة على مركّبات حركة M4BL لتنأى بنفسها عن البرنامج السياسيّ وعن الحركة ككل. بشكلٍ غير مفاجئ، أيّدت منظمة “Jewish Voice for Pease” هذا البرنامج السياسيّ للحركة.

لقد صوّر النقد الصهيونيّ لهذا البرنامج السياسيّ استخدام مصطلح “إبادةٍ عرقيّة” كخطوةٍ محرّمة، ليُعطي بهذا انطباعًا بأن التعبير عن التخوّفات بشأن سجل حقوق الإنسان في إسرائيل، بهذه المصطلحات القاسية، هو تجاوز لخطٍ أحمر. وإكرامًا لإسرائيل، وصموا البرنامج السياسيّ ومؤيّديه بمعاداة الساميّة بسبب استخدام المؤلّفين للمصطلح “المحظور” المُدهش لوقاحته. إن حدّة السخط اتجاه برنامج الحركة السياسيّ، والذي يجرؤ على وصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين بالإبادة العرقيّة، من شأنه أن يعطي انطباعًا بأن استخدام تهمة بهذه الخطورة هو استخدام غير مسبوق، وألا يُمكن لأي عاقلٍ (من يعادي الساميّة فقط) أن يصف سياسات إسرائيل بهذا الشكل.

تضامنًا مع حركة M4BL، نشر مركز الحقوق الدستوريّة (CCR) ورقة تحليل قصيرة تحت عنوان “إبادة الشعب الفلسطيني عرقيًا: وجهة نظر القانون الدوليّ وحقوق الإنسان”، وهي توفّر لمحة حول تاريخ استخدام مصطلح “الإبادة العرقيّة” في السياق الفلسطينيّ الإسرائيليّ. وهدفت هذه الورقة إلى استعراض “تاريخ طويل من البحث العلميّ في مجال حقوق الإنسان والتحليل القضائيّ الذي يدعم هذا الموقف. إذ أن عددًا من الباحثين البارزين في جرائم الإبادة العرقيّة والقانون الدوليّ، والمرجعيّات في مجال حقوق الإنسان، يتبنّون الموقف القائل بأن سياسات إسرائيل اتجاه الشعب الفلسطينيّ يمكن اعتبارها شكلًا من أشكال الإبادة العرقيّة. وتمتد هذه المواقف بدءًا من مجازر العام 1948 وتهجير الفلسطينيين، وصولًا إلى نصف قرنٍ من الاحتلال العسكريّ، ونظام قضائيّ تمييزيّ يحكم الفلسطينيين، والعدوان العسكريّ المتكرّر على قطاع غزّة، والتصريحات الرسميّة للسياسيين الإسرائيليين التي تؤيّد التخلّص من الفلسطينيين.”

كما شرحت في البثّ الصوتيّ لموقع “الانتفاضة الالكترونيّة”، لمصطلح الـ”إبادة” علاقة عينيّة بهذا السياق: “الإبادة العرقيّة يمكنها أن تنطبق على تدمير شعب أو مجموعة قوميّة كمجموعة قابلة للنمو والتطوّر، ويُمكن للتعريف أن ينطبق على حالة تهجير مجموعة من أرضها، أو حظر استخدامها للغتها، أو مجرّد تدمير هويّتها الوطنيّة”، وقد أعلن الفلسطينيّون “أن ما فعلته دولة إسرائيل هو نفي وجود وحضور الفلسطينيين في المنطقة الجغرافيّة التي كانت فلسطين الانتدابيّة قبل العام 1947.”

 وكما تشرح ورقة مركز الحقوق الدستوريّة:

…”لقد طالب سياسيّون إسرائيليّون علنًا باتخاذ خطوات ضدّ الشعب الفلسطينيي، وهي خطوات يمكنها، دون أدنى شك، أن تلائم تعريف الإبادة العرقيّة بحسب وثيقة 1948. في شهر شباط 2008، مثلًا، أعلن نائب وزير الأمن، ماتان فلنائي، أن التوتر المتفاقم بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزّة يمكنه من شأنه أن يُنزل عليهم ما يُمكن تسميته بالـ”شوآه”، أي المحرقة. “كلما تكثّف إطلاق صواريخ القسّام، وزاد مداها، سيجلب الفلسطينيّون على أنفسهم “شوآه” أكبر، لأننا سنستخدم كامل قوّتها من أجل الدفاع عن أنفسنا.

أما وزيرة القضاء الإسرائيليّة، آيليت شاكيد، فنشرت على صفحتها في فيسبوك تصريحات في حزيران 2014 بأن “كل الشعب الفلسطينيّ عدوّنا”، وطالبت بإبادة الفلسطينيين، “بمن فيهم العُجّز والنساء، المدن والقرى، أملاكهم وبناهم التحتيّة،” وقد طالب منشورها أيضًا بقتل الأمهات الفلسطينيّات اللواتي يلدن “الأفاعي صغيرة”.

في آب 2014، طالب موشي فيغلين، عضو الكنيت الإسرائيليّ عن حزب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو – الليكود- بتدمير الحياة الفلسطينيّة في غزّة، واقترح خطةً مفصّلة لتهجير الفلسطينيين من غزّة إلى جميع أنحاء العالم. واقترح فيغلين، تحديدًا، سيناريو يجد فيه الجيش الإسرائيلي مناطق حدوديّة في سيناء لتأسيس مخيّمات (…) إلى أن يتم تحديد المواقع التي سيُجلى إليها الفلسطينيّون”. وقد اقترح على جيش الاحتلال أن “يُبيد مراتع المقاومة في حال بقي أي منها”. في وقتٍ لاحقٍ، كتب فييغلين مقالًا يقترح فيه “أن يسيطر الجيش على غزّة كاملةً بعد أن ينتهي من “تليين” الأهداف بقوّة النار، وأن يستخدم كل الأدوات اللازمة من أجل تقليص أي خطر على جنودنا، دون أي اعتبارٍ آخر”، وتابع: “غزّة جزء من أرضنا، وسنبقى فيها للأبد. إن الشيء الوحيد الذي يبرر المخاطرة بحياة جنودنا هو تحرير جزء من أرضنا من خلال احتلاله. بعد تطهير غزّة من الإرهاب، ستكون جزءًا من دولة إسرائيل السياديّة، ويسكن بها الإسرائيليّون، وهو ما يمكنه أن يخفف من أزمة المسكن في البلاد. أما خطّ القطار الساحليّ فسيتم مدّه، بأقرب وقتٍ ممكن، حتّى يصل أطراف قطاع غزّة.”

يُمكن القول بأن استخدام مصطلح “إبادة عرقيّة” في السياق الفلسطينيّ-الإسرائيليّ يكتسب وزنًا جديدًا مع تبنّي السياسيين الإسرائيليين، مثل وزيرة القضاء آيليت شاكيد، المقترح الذي قدّمه وزير الأمن السابق، شمعون بيريس في العام 1987، ودفاعهم عنه [ii]. ويعرض هذا المقترح أن تضمّ إسرائيل كل الأراضي التي عُرفت لاحقًا خلال محادثات أوسلو بـ”المناطق (ج)”، حيث يستوطن معظم الإسرائيليّون في الضفّة اليوم. بموجب هذه الخطّة، تمنح إسرائيل الموطنة إلى ما يقارب 90,000 فلسطينيًا تقريبًا ممّن يعيشون في هذه المنطقة، وتمكّن من السيطرة الأردنيّة على الفلسطينيين في المناطق المتبقية المسمّاة (أ) و (ب)، وهي المنطقة التي يُطلق عليها كل السياسيين الإسرائيليين في الحكومة، بمن فيهم شاكيد، اسم “يهودا والسامرة”، وليس المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، وبالتأكيد ليس “فلسطين”. من شأن هذه الخطّة أن تحلّ السلطة الفلسطينيّة، وتدمّر أي إمكانيّة لكيان شعبٍ أو أرضٍ يُطلق عليه إسم فلسطين – ومن شأن هذا، بشكلٍ لا يقبل الشك، أن يدمّر شعبًا أو مجموعةً وطنيّة قادرة على العيش والتطوّر.

[i]  لجنة علاقات الجالية اليهوديّة و”ترواه” نشروا موقفًا يدين استخدام البرنامج السياسيّ لحركة M4BL لمصطلح “إبادة عرقيّة”، لكنّهم لم يذكروا وصف اسرائيل باعتبارها “دولة ابارتهايد”. موقف JCRC حول البرنامج السياسيّ لـ black lives matter، 3 آب 2016. وموقف “ترواه” حول البرنامج السياسيّ لحركة black lives matter، 3 آب، 2016.

[ii]  شمعون بيريس، معركة من أجل السلام: مذكّرات، 297 (1995).