عن التهجير، وبالتهجير… نبدأ

أهلًا وسهلًا! هذه التدوينة الافتتاحيّة لمدوّنة “النكبة والقانون” – تجربة تعاون مثيرة بين عدالة: المركز القانونيّ لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل، ومركز دراسات فلسطين التابع لجامعة كولومبيا. في الشهور القادمة، ستشكّل هذه المدوّنة مساحة لتطوير رؤيةٍ مميّزة في التفكير بشأن القانون في فلسطين/إسرائيل – تفكير يحمل توجّهًا نقديًّا وتماسكًا علميًّا. أو كما جاء في ورقتنا التعريفيّة:

إن إسقاطات النكبة، التي أدت لتهجير أكثر من 700 ألف فلسطينيّ خلال وبعد تأسيس دولة إسرائيل في العام 1948، لا زالت تدوّي حتّى يومنا هذا، خاصةً في المنظومة القضائيّة في دولة إسرائيل. النكبة حاضرة وبقوة حيث سنت إسرائيل قانونًا يحد من إمكانية احيائها في العام 2011، في الذكرى ال 63 للنكبة.

    مخيم جرمانا للاجئين الفلسلطينيين، سورية 1949 (المصدر: ويكيميديا)

 إن النكبة أكثر من مجرّد عمليّة تهجير فعليّة حصلت لمرّة واحدة، فقد تطلبت النكبة بنية تحتيّة قانونيّة تشرعن نقل الأراضي من ملكيّة فلسطينيّة إلى ملكيّة يهوديّة؛ وتجرد الفلسطينيّين من وطنهم بموازاة منح اليهود المواطنة والمكانة القانونيّة بشكلٍ أوتوماتيكيّ؛ وتعزز وتحمي أشكال السلب الجذريّة هذه. وبفعل هذه البنية التحتيّة القانونيّة، ترسّخ فعل النكبة. إن حضور النكبة الممتد يتضح بشكل خاص في محاولات دولة إسرائيل المستمرّة اقتلاع الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، حتّى وإن كانوا من مواطنيها، من أجل بناء مستوطنات يهوديّة جديدة، وهو ما يمارس ضدّ الفلسطينيين البدو في صحراء النقب خاصةً.

لقد حتّمت عمليّة النكبة تأسيس بنية قضائيّة مركبة، تعتمد على التمييز في الحيّز والمكانة القانونيّة من أجل تبرير ممارسة دولة إسرائيل لسلطتها على أكثر من 12 مليون مواطنًا وغير مواطنٍ بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط. فمن جانبيّ الخط الأخضر، يعمل القانون من أجل نزع الشرعيّة عن الانتماء الفلسطينيّ، شرعنة مصادرة الأراضي، واحتواء بعض دعاوى الفلسطينيين للحصول على حقّهم، كل ذلك بموازاة عنف الدولة وعصابات المستطنين التي تتعاون من أجل تحقيق الأهداف الديمغرافيّة للدولة.

ستشكّل هذه المدوّنة مساحة – دفاتر، ملفّات قضائيّة، وحلقات دراسيّة – من أجل اكتشاف أبعاد متعددة تلتقي فيها النكبة بالقانون، من خلال فحص وترجمة وقراءة تواجه المواد القضائيّة، كالدعاوى القضائيّة، النظم، والتشريعات. كذلك، ستكون المدوّنة مساحة للتعقيب على أحداث الساعة عندما نرى فيها فرصة للإضافة على أسئلة تشغلنا. كما ستبادر المدوّنة بشكلٍ خاص إلى احتضان الباحثين الجدد الذين يلتقون معنا في الهمّ ذاته.

عقب إحدى جرائم هدم قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف في النقب (المصدر: Active Stills(

ومع تطوّر هذا المشروع، سنحدّث المدوّنة عدّة مرّات أسبوعيًا، ونمزج بين التقارير الميدانيّة، التحليلات القضائيّة ونقاش الأبحاث الجديدة.

ومن الجدير بالذكر أنه ورغم أنّ “النكبة والقانون” تُنشر في الحيّز الرقميّ، إلا أن هذه المساحة أيضًا ليست مفهومة ضمنًا. فخلال بحثنا حول إمكانيّات تسمية الموقع الإلكتروني وعنوانه، وجدنا أن www.nakba.com  و www.nakba.org  موقعين “محتلّين”، بأكثر من معنى؛ أن العنوانين يحيلان أوتوماتيكيًا إلى موقع منظّمة تدّعي بأنها منظمة “اليهود الأصلانيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” (JIMENA).

 إن  الهدف المعلن لمنظمة “JIMENA” هو رفع الوعيّ لأوضاع اليهود المطرودين من دول الشرق الأوسط بعد قيام إسرائيل. لكنّ عمل المنظّمة يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد رفع الوعيّ لتاريخ الضحايا خدمةً لمبادئ كونيّة. فالمنظمة تقصد تقويض السعي الفلسطينيّ لإحياء ذكرى النكبة، وتكرر الادعاءات الصهيونيّة بأن الدول العربيّة والأمم المتّحدة هم “الجناة الحقيقيّون بحقّ الفلسطينيين” الضحايا والسبب بكارثتهم المستمرّة.

إن خطاب هذه المنظّمة بشأن الفلسطينيين الذي يهدف إلى الاستيلاء على النكبة حرفيًا كمصطلح أو حتّى كعنوان على الانترنت، يذكّر ببعض المفاهيم الجدليّة التي سنطرحها من خلال مشروعنا هذا.