نِك إستس

بينما كان الفلسطينيون يواجهون النكبة في فلسطين، كانت الشعوب الأصلانيّة في الولايات المتّحدة تواجه ما يُعرف باسم “عصر الحسم”، حيث تمثل “الحسم” بسعي الحكومة الفدراليّة (قرار الكونغرس رقم 108، والقانون العام 280) ابتداءً من سنوات الأربعينيّات لتصفية جميع أملاك وأراضي القبائل، وخصخصة ما تبقّى منها، وإحلال “المواطنة الكاملة” على السكّان الأصليين. وقد ظلّت بعض قوانين الحسم حاضرة في كتاب القوانين حتّى العام 1980.

كان القصد من وراء الحسم في الولايات المتّحدة إجبار الشعوب الأصلانيّة على الاندماج في ثقافة البيض، بينما كرّست الصهيونيّة في فلسطين الفصل بين اليهود والعرب. ومع هذا، فقد كان التهجير والسلب مهمّة الساعة في البلدين.

بالنسبة لعائلتي وقبيلتي تحديدًا، لا تحضر سنوات الأربعينيّات إلا من خلال مخطط “Pick-Sloan”، وهو المخطط لبناء سلسلة من السدود الالكترونيّة-المائيّة في نهرنا. في ذلك الوقت، كان نهر ميزوري واحد من أكبر نظم السدود في العالم. نتيجة لذلك، هُجّر ثلثا أبناء قبيلتنا من موطننا إلى البلدات الحدوديّة البيضاء المحيطة بنا، أو بالأحرى، إلى المستوطنات المحيطة بنا، حيث واجهنا تمييزًا وحشيًا. إذًا، كانت الولايات المتّحدة إبان نكبة فلسطين تهجّر الأصلانيين، إما من خلال السياسة الفدراليّة وإما من خلال إغراق أراضيهم، حرفيًا، بواسطة السدود، ودفعهم للهرب إلى المدن حيث عانوا من تمييز الشرطة المفتعل ضدّهم.

وفي الأربعينيّات أيضًا، بدأ الأصلانيّون عودتهم إلى وطنهم بعد اشتراكهم في القتال بالحرب العالميّة الثانية، ليجدوا أنه قد تمّت تصفيت أراضيهم بفعل سياسة الحسم. وكانت تجربة الحرب قد كشفتهم على النماذج الكولونياليّة في وطنهم وخارجه، ومن بينها تجربة الأمريكيين الأفارقة، التشيكانو، والشعوب الأخرى من ذوي البشرة الملوّنة. وحين بدأ التخلّص من الاستعمار بعد الحرب العالميّة الثانية وتحرّر المستعمرات السابقة، كان يُمكن للشعوب الأصلانيّة أن تعود إلى أوطانها وتبني علاقاتها على المستوى الدوليّ. إلا أنّنا بدلًا من ذلك، كان قد تم ترويضنا من خلال القانون الهنديّ الفدراليّ، وكنّا نواجه سياسات الحسم هذه، التي أضعفت أيضًا حضور قضيّتنا على المستوى الدوليّ.

رغم ذلك، فقد أدّى التهجير الواسع للأصلانيين من أراضي القبائل، وما تعلّمه الناس خلال خدمتهم في الحرب، إلى تشكيل حركات مناهضة للاستعمار مثل الحركة الأمريكيّة الهنديّة (“AIM”)، لجنة الشباب الوطنيّة الهنديّة، وجناح عسكريّ للمؤتمر الوطنيّ للهنود الأمريكيين – وقد تبنّت جميعها وجهةً أمميّة. وصلت هذه الحركة ذروتها في السبعينيّات، ومن خلال مشاركتها لتجربتها التاريخيّة مع الشعوب الخاضعة للاستعمار، ومع الشعب الفلسطينيّ خاصةً. حصل الأصلانيّون على الاعتراف بهم من خلال حركة مناهضة الأبارتهايد، وفي الوقت ذاته أيضًا، حصلت منظمة التحرير الفلسطينيّة على هذا الاعتراف. وهكذا التقينا جميعًا.

إن القانون الإسرائيليّ الذي يُسمّى “قانون النكبة” هو محاولة لإعادة كتابة تاريخ وطنيّ. إنها وسيلة لاحتواء التاريخ الفلسطينيّ كفرع للتاريخ الإسرائيليّ، وجعل التاريخ الفلسطينيّ مرهونًا بروايةٍ وطنيّةٍ أوسع. هكذا حصل في الولايات المتّحدة، إذ يُعتبر تاريخ الهنود الأمريكيّين تصنيف فرعيّ للتاريخ الأمريكيّ. لذلك فإننا ننطلق بأبحاثنا وكتاباتنا دائمًا من سياق الرواية الوطنيّة الأمريكيّة، بدلًا من الرواية الأممية، رغم أن تاريخ الهنود الأمريكيين هو تاريخ عالميّ، فإن المعاهدات، بخلاصة الأمر، لا تتم بين مجموعات محليّة.

إن جزء من التاريخ المسكوت عنه هو توجّه الأصلانيين إلى عصبة الأمم. فقد توجّه القائد الإيروكواسي في كندا، ديسكاهيه، إلى عصبة الأمم مطابًا بالاعتراف بالاتحاد الإيروكواسي، إلا أنّهم سخروا منه. كذلك، توجّه عدد كبير من الشعوب الخاضعة للاستعمار، ممثلةً بشخصيات مثل هو شي منّة، إلى عصبة الأمم مطالبة بحق تقرير المصير. ومنها مجموعات من البلدان العربيّة أيضًا.

هناك نزعة للاستخفاف أو اخفاء هذه التوجّهات الأمميّة التي تتبناها الشعوب الأصلانيّة وكل الشعوب الخاضعة للاستعمار. وهي توجّهات موجودة لدى الفلسطينيّون أيضًا – إنهم من أكثر الشعوب المستعمرَة نجاحًا في بناء حركة تضامنٍ عالميّ. المؤسسات تعتمد على تقاطع للنضالات العالميّة، ويؤسسون علاقات بين إدارات الشعوب المستعمِرة (مثل المنظومة الانتدابيّة لعصبة الأمم) وإدارة الشعوب الأصلانيّة. في السابق، كانت الدائرة الأمريكية للشؤون الهنديّة تقرأ كرّاسات الاستعمار البريطانيّ حول “الاستعمار غير المباشر” – كيف يمكنك إدارة المجتمعات المستعمَرة وتفكيكها، تمامًا كما فعلوا في الشرق الأوسط. وإذا ما كانت الإدارة الاستعماريّة ستدير شؤونها بتقاطعات عالميّة، فلا بد أن نفعل ذلك نحن أيضًا.