في حزيران 2016، منحت دولة إسرائيل بشكلٍ مباشرٍ، ولأوّل مرة، مكانة لاجئٍ لمواطنٍ سوداني يُدعى: معتصم عليّ من إقليم دارفور السودانيّ. يُعتبر علي ناشطًا بارزًا يناضل من أجل 50 ألف طالب لجوء من جنوب الصحراء الكبرى. ما يُقارب خمس طالبي اللجوء هم من السودانيّين، أما البقيّة فمعظمهم من الإثيوبيين والأرثريين؛ وبما أنّهم أفارقة سود من غير اليهود، فقد برز حضورهم داخل الخطّ الأخضر خلال العقد الماضي، وقد اعتبرهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو “تهديدًا” لطابع الدولة “اليهوديّ والديمقراطيّ”. قامت إسرائيل بشرعنة اعتقال طالبي اللجوء لمدّة طويلة، وافتتحت معسكريّ اعتقال في صحراء النقب لاحتجازهم حيث كان معتصم علي معتقلًا في احداهما لمدّة 14 شهرًا. كذلك، تعرّض طالبي اللجوء الأفارقة للعنف والمضايقات على خلفيّة عرقيّة (ويوفّر هذا التسجيل الوثائقيّ القصير سياقًا إضافيًّا).

نظريًا، تتبنى إسرائيل مبدأ الامتناع عن طرد طالبي اللجوء إلى بلادهم بالقوّة (رغم الانتقادات التي اتهمت إسرائيل بالسعي لذلك من خلال تشجيع توطينهم في دولٍ ثالثة مثل روندا). مع ذلك، ترفض إسرائيل أن توفّر حلًا شاملًا أو حتّى لائقًا بالحدّ الأدنى لمسألة المكانة القانونيّة لطالبي اللجوء. ورغم أن إسرائيل كانت قد وقعت على وثيقة العام 1951 بشأن مكانة اللاجئين، إلا أنها لا تمتلك أي إطار تشريعيّ لتنظيم اللجوء. فقد تولّى مكتب مفوّض الأمم المتّحدة السامي لشؤون اللاجئين (UNHCR) إجراءات فحص اللاجئين وتصنيفهم حتّى العام 2009. مكتب المفوّض السامي لشؤون اللاجئين هو الوكيل الذي انتدبته الأمم المتّحدة لتأمين الحماية القانونيّة لجميع اللاجئين في العالم باستثناء اللاجئين الفلسطينيين، حيث تتولّى الأونروا مسؤوليّاتهم، وهي مسؤوليّات تتركّز في مجال الإغاثة (مثل التعليم، الرعاية الصحيّة، التموين، الإسكان وغيرها). أما الآن، فتُعالَج طلبات اللجوء من خلال الحكومة الإسرائيليّة ذاتها، ويعود القرار النهائيّ بشأنها لوزير الداخليّة، وذلك بناءً على توصيات لجنة حكوميّة متعدّدة الوزارات.

على أساس  نظام اللجوء المعمول به قبل العام 2009، منحت إسرائيل حقّ اللجوء إلى بعض اللاجئين السودانيين بحسب توصية مكتب المفوّض السامي، ولم يتعدى قبول طلبات اللجوء نسبة 1 بالمئة، من بين آلاف الطلبات المقدّمة – وهي نسبة أدنى بكثير من نظيرتها في الدول الغربيّة التي تتشبّه إسرائيل بمكانتهم “المتحضّرة”.

إن التعامل الإسرائيليّ مع طالبي اللجوء الأفارقة يندرج ضمن ظاهرة عالميّة هي ظاهرة كراهيّة السود، وهي تتجلى، كما ذكرت نورا عريقات في هذا الموقع، بأساليب متعددة في إسرائيل\فلسطين. أما النكبة فهي واحدة من البُنى الأساسيّة التي تُصمم كراهية السود في هذا المنطقة من العالم. ففي الخطاب السياسيّ الإسرائيليّ، يُنظر إلى قضيّة طالبي اللجوء الأفارقة وقضيّة الفلسطينيين باعتبارهما مسألتين منفصلتين. ومع هذا، فلا يُمكن فهم الخطوط العريضة لنظام اللجوء الإسرائيليّ، والذي ينطوي عمومًا على كراهية السود وسوء معاملة المهاجرين، بمعزل عن النكبة وقوانينها. إن وضع طالبي اللجوء الأفارقة يرتبط بشكلٍ جذريّ بالنكبة بعدّة طرق.

لقد تشكّل الإطار القانونيّ لاعتقال المهاجرين الأفارقة في التعديلات على قانون منع المتسلّلين الذي تمّ سنّه في العام 1954 من أجل تمكين اعتقال وإبعاد اللاجئين الفلسطينيين الذين عبروا الحدود عودةً إلى بيوتهم وأراضيهم، وذلك بهدف حماية “انتصارات” النكبة الديمغرافيّة. ينقل هذا القانون صلاحيّة التعامل مع المتسللين إلى المحاكم العسكريّة، مع أنّ طردهم من دون محاكمة، بحسب المؤرّخة شير روبنسون، استمر بعد سنّ القانون، بينما تركّز تأثير القانون “باعتقال حرس الحدود للعائدين أكثر من قتلهم”.

وسّعت إسرائيل قانون منع المتسلّلين، ليتحوّل من أداةٍ لنفي الفلسطينيين فقط، إلى وسيلة للاعتقال الجماعيّ لطالبي اللجوء الأفارقة. عدلت الكنيست القانون عام 2012 من أجل تشريع الاعتقال لأي مهاجر غير قانونيّ –ما يُسمى “متسللًا”- لمدةٍ أقصاها ثلاث سنوات. وقد تم بناء معسكر الاعتقال “سهرونيم” في صحراء النقب، قرب معسكر الاعتقال “كتسيعوت” والذي يُستخدم منذ سنوات لاعتقال فلسطينيي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967. بعد أن ألغت المحكمة العليا هذا التشريع، عُدّل القانون مرةً أخرى بتقصير مدة الاعتقال من ثلاثة أعوامٍ لعامٍ واحدٍ، إلا أن المحكمة نقضته مرةً أخرى. في النهاية، عدّلت الكنيست القانون لتسمح بالاعتقال لمدّة ثلاثة أشهر بالإضافة إلى الإقامة الجبريّة مدّة 20 شهرًا في معسكر “حولوت”، وهو معسكر اعتقال “مفتوح”، بمعنى أن طالب اللجوء يمكنه أن يخرج من المعسكر خلال النهار شرط أن يعود إليه ليلًا. صادقت المحكمة على هذا الترتيب، إلا أنها أمرت بتقصير فترة الاعتقال “المفتوحة” لمدّة 12 شهرًا فقط.

جذريًا، هناك ربط مباشر بين النكبة ورفض إسرائيل تبنّي قانون لجوءٍ. لوزير الداخليّة الإسرائيليّ صلاحيّة شبه مطلقة برفض جميع طلبات اللجوء إلا النادر منها، وهو ما يعكس بشكل تام تعامل إسرائيل مع طلبات الفلسطينيين بالإقامة والمواطنة. بالنسبة لإسرائيل، فإن فتح النقاش حول الحق باللجوء في الدولة من شأنه أن يجذب انتباهًا لأكثر القوانين الإسرائيليّة إثارةً للجدل في إسرائيل وأمام الرأي العام العالميّ. حيث يُذكّر قانون اللجوء بأن قانون العودة الذي تم سنّه عام 1950 ليس قانونًا يعالج مسألة اللجوء، حتّى وإن عُرض بهذا المظهر مرارًا للجمهور خارج إسرائيل، انسجمًا مع المنطق السياسيّ القائل بأن دولة إسرائيل هي، بنفسها، ملجأ لليهود المضطهدين. وفيما يُفترض أن يغربل قانون اللجوء المهاجرين من أجل تمييز من “يستحقون” الحماية على أساس ملاحقتهم، فإن قانون العودة، بالمقابل، يمنح حقًا تلقائيًا بالهجرة لمن يُعرّف يهوديًا باستثناءات قليلة.

بالإضافة لذلك، من شأن قانون اللجوء أن يُذكّر برفض إسرائيل المستمر لاحترام حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وقد برزت هذه النقطة من خلال موقف قائد حزب العمل الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ والذي نادى باستقبال إسرائيل للاجئين من سوريا، وهو ما دفع المعلّق الإسرائيليّ رون بن-طوفيم إلى التذكير بأن إسرائيل “تدين أولًا وبالأساس إلى اللاجئين الذين تتحمل مسؤوليّة لجوئهم: ملايين الفلسطينيين اللاجئين الذين ينتظرون على هامش عمليّة سلميّة غير قائمة”.  إن النقاش حول بناء نظام لجوء من شأنه أن يثير أسئلة محرجة لإسرائيل، ليس بشأن من يملك الحق في دخول البلاد فقط، إنما، وقبل كلّ شيء، بشأن من لديه حق الحسم في هذه الأسئلة.